الاثنين، 12 أبريل 2021

نظرية التطور

8:27 م
             في هذا المقال اريد ان اقدم لقراء ومتابعي مدونة علم الاحياء شرحاً مفصلاً بعض الشيء لنظرية التطور، التي كانت ولا زالت تثير جدلا بين العامه، عرضاً يستطيع من خلاله العامه من غير ذوي الاختصاص فهم النظرية على وجهها الذي ينبقى لها ان تعرض من خلاله، ومواصلة لما بدأناه من السلسة التي اسميناها (الانسان كان قرد!!). 
اولاً وقبل الخوض في لب الموضوع لا بد لنا ان نعرف بعض الحقائق، وهي:

* من الخطأ ان يقال ان التطور هي مجرد نظريه والتقليل من شأنها بحجة انها نظرية، والصواب انها ليست مجرد نظرية، بل نظرية علمية، لان كلمة نظرية توهم بانها من نسج خيال عالم او مفكر مثلها مثل نظريات العلوم الاجتماعيه، لكن عندما نقول عنها انها نظرية علميه اي انها ترتكز على حقائق علمية مثبته يقينية من الصعب ادحاضها. 

* النسخه الدارونية من النظرية، او ما طرحه دارون في كتابة اصل الانواع ليس حجه، وكتابه - اصل الانواع - لم يعد مرجعاً يعتد به لشرح النظريه، وبراهين الاحفافير التي تشكل العمود الفقري لادلة داروين على التطور اصبحت الان مجرد ادله مساعدة ثانويه. لان النظريه الان اصبحت يستدل على قوتها بالخارطة الوراثيه للحمض النووي للأنواع وعلم الخليه وعلم وظائف الاعضاء وغيرها من فروع علم الاحياء التي بعضها لم تكن موجوده قبل 150 عام عندما اخرج داروين نظريته، وبعض تلك العلوم كانت متواضعه جداً.

* النظريه لم تقل ان الانسان كان قرداً.

      اولاً وجب علينا وقبل الخوض في شرح النظريه ان نعرف معني النظريه العلميه، ولن نفصل في هذا كثيراً لانه ليس محور حديثنا الان.
النظريه هي محاوله لتفسير ظاهره حدثت ولا خلاف في كون حدوثها، في حالتنا هنا نظرية التطور هي محاوله لتفسير ظاهرة تعدد الانواع او تنوع الانواع، ولا نزاع في كون ان الانواع متعدده ومنتوعه وتأتي النظريات لتفسر لنا كيفية تنوع هذه الانواع، وفي حالتنا هنا تقول نظرية التطور انها تنوعت بالطفرات مع اليه الانتخاب الطبيعي كما سنشرح ذلك بعد قليل.

        نظريه التطور هي نظريه علميه لما قام عليها من ادله علميه تعزز مصداقيتها، فتزداد النظريه مصداقيه كلما زادت كميه وقوة التجارب العلميه التي تاني نتائجها مصدقه لتفسيراتها، فنظريه التطور الان هي ليست من اقوى النظريات فحسب، بل هي اقوى نظريه الى الان تفسر لنا تنوع الانواع لما قام عليها من تجارب علمية مثبته، ولعل من احدى التجارب التي تعزز من قوتها هي التجربه التي قمت بها على البكتريا ومسارات تطورها في اوساط مختلفه من المضادات الحيويه، قُدم البحث في رساله لنيل درجة البكلاريوس التي اجريت في جامعة امدرمان الاسلاميه بالخرطوم ـ السودان  وحصل على تقدير امتياز (سيتم عرضها بالتفصيل في هذه المدونة لاحقاً).

نظرية التطور

       كل كائن حي يتكون جسمه من وحدات صغيره، الواحده منها تسمى الخليه الحيه، كل خليه حيه تقوم بكل الوظائف الحيويه الثمانية، اذاً هي وحدة الحياء الاولى، كل خليه لها عضيات تحتويها في داخلها، يختلف عدد وحجم هذه العضيات من نوع لآخر، لكن كل انواع الخلايا تتفق في وجود نواه تحتوي على حمض نووي، سواءاً كانت حقيقية النواه او بدائيه النواه، هذا الحمض النووي هو اساس لعملية التنوع لان: 

* الحمض النووي يحتوي على جميع صفات الكائن الحي التي تميّزه من غيره من الانواع الاخرى، وهذه الصفات تكون مشفره من خلال تتابعات القواعد النيتروجينيه المكونه للشريط الذي يكون عليه الحمض النووي (يمكن الرجوع لمعرفة تركيب الحمض النووي من هنا).

* الحمض النووي يكون محفوظ في تركيبِهِ وينتقل بهذا التركيب من جيل الى الجيل اللاحق مع تغيرات بسيطه طبيعية او غير طبيعية، وهذا التغيير الغير طبيعي والذي يسمى بالطفره هو في غاية الاهميه لحدوث عملية التطور كما سنعرف بعد قليل.
عدد من القواعد النيتروجينيه مرتبه في تسلسل محدود تعطينا صفه معينة من خلال انتاجه لبروتين معين تسمى بالجين، من هذا نستنتج ان اي تغيير في تسلسل قواعد الحمض النووي يُحدِث تغيراً في الجين، والذي بدوره يعطينا صفه مختلفه عن الصفه الاولى ما قبل التغيير.
الكائنات الحيه من خلال مسيرتها في ملايين السنين والتي فيها تتكاثر جيلاً فجيل، ومن خلال عملية التكاثر تحدث تغيرات في الحمض النووي وتغيُّرات في الجيات، والذي يُحدِث هذه التغيُّرات امرين اثنين:

1/ التغيرات الطبيعية: وهي التي تحدث طبيعياً عند انقسام الخلايا الجنسيه عن طريق عملية العبور، لكن لا تقلق ان لم تفهم هذا لان هذا النواع من التغيير اثره على التطور اثر طفيف ليس من الضروري ان نشرحه في هذا المقال.
2/ التغيرات بسبب الطفرات، وهذا النوع من التغير يحدث عرضاً لا يكون من العمليات التطبيعية التي تقوم بها الخلايا عند الانقسام او التكاثر، ولاهميه هذا النوع من التغيرات على الحمض النووي نأخذ امثله للطفرات ليس لها علاقه بموضوع التطور، من امثله الطفرات في الصفات الوراثيه ان يولد الطفل في الانسان او في الكائن الحي وبه صفات غريبه لا توجد في بقية افراد نوعه كأن يولد الطفل بأصبع زائد في يده او قدمه او كأن تولد  ماعز بدون ارجل امامية او خروج فرخ من بيضته بثلاث ارجل، او كأن تولد قطه بلون فراء لا يوجد في بني نوعها من القطط. كل هذه امثله لطفرات حدثت في تركيب الحمض النووي لتلك الكائنات فأثرت في صفاتها الخارجيه التي ورثتها من آبائها.
معلومه: ليست كل الطفرات تظهر على الشكل الخارجي او الداخلي للكائن الحي، لكنها تحفظ في الخريطه الوراثيه للكائن الحي وتورث بواسطته للاجيال اللاحقه الى ان تظهر طفره اخرى في الاجيال اللاحقه يتعزز من الطفره الاولى ويشكلان معاَ تغيراً في الصفات الوراثيه.
في الحقيقه قليل من الطفرات هي النافعه للكائن الحي لكن اغلبها  ضاره وقد تودي بوفاته، لكن الجيد في الامر ان الطفرات التي تقتل الكائن الحي لا تورث بحكم ان الطفره تقتله قبل ان يتكاثر ويمرر تلك الجينات الطافره وفي الغالب يموت الجنين قبل الولاده بسببها، اما الطفرات التي تؤثر على الكائن الحي بعد التكاثر فهذه خطره لانها تورث، وفي الحقيقه هذه النوع من الطفرات هو المسؤول عن امراض الشيخوخه والامراض التي تظهر بعد الثلاثين في البشر . لا يهم . نرجع الى موضوعنا...

الان وبعد ان عرفنا موضوع الطفرات اريدك ان تتخيل معي هذا السيناريو: في احد انواع الكائنات الحيه والذي يتغذى على الحشائش التي تنبت في الارض، ولا يتعدى طول النبته منها 50 سم، يعيش هذا الكائن وتلك النبته  في بيئة مطريه بالقرب من النهر حيث الغذاء متوفر وفي متناول اليد او في متناول الفم (ان صح التعبير) بالنسبه لذلك الكائن. وعاش هذا الكائن في هذه البيئه لألاف السنين وتكاثر وصار تعداد افراده يحسب بالملايين، وطبعاً هؤلاء الافراد كلهم لا يكونوا متطابقين في صفاتهم الخارجيه فمنهم الطويل ومنهم القصير والوانهم مختلفه وقوه وطول قرون الرأس تكون متباينه بسبب الاختلافات في الجينات التي احدثتها الطفرات التي تراكمت من سنين وتوارثتها الاجيال جيلا بعد جيل؛ ولنفرض خلال قرن من الزمان حدثت اخلافات في البيئه التي يعيش فيها هذا الكائن، فأخذت الارض بالتصحر وبدأت تقل تلك الاعشاب - التي هي مصدر غذاء ذلك الكائن - في اعدادها والاشجار العاليه لم تتأثر كثيرا بهذا التصحر، فصارت افراد هذا الكائن تعاني من موضوع الغذاء، جزء من افراد هذا الكائن هاجر الى مناطق اخرى، والجزء الاخر بقى ليعاني، الافراد القصيره من الجزء الباقي بدأ في الانحسار لتعذر التكاثر بسبب قلة الغذاء، والافراد الطويله بدأت تستعيض قلة الحشائش بالاكل من الاشجار العاليه، لكنها تلقى معاناة بسبب قصر عنقها الذي مصمم على اكل الحشائش التي كانت تحت ارجلها، بمرور السنين الطوال اصبحت الاجيال التي تولد باختلافات في طول العنق لذلك الكائن، وذات العنق الاطول من غيره له حظ اكبر من غيره من التغذية من الاشجار العاليه وبذلك لها افضل الفرص للتكاثر ولأنتاج افراد ذوي اعناق اطول وبدأت الافراد صاحبة العنق القصير في الانقراض، بعد آلاف السنين سنجد ان كل الافراد من هذا النوع والذي لم يهاجر صار بأعناق طويله؛ اما القطيع الذي هاجر لمنطقه اخرى وجد الغذاء الذي يناسبه ولكنه عاش في منطقه بها كائن حي آخر يفترسه فاصبح صاحب الجمجمة القويه يدافع عن نفسه بنطح المفترس فكان لها فرصه افضل للنجاة، والضعيفه لم تستطع مقاوم الافتراس فنقرضت بمرور الزمن، وصاحبة الجمجمة القويه ظهر في بعض افرادها طفره وراثيه اظهر لها بوادر قرون، وصارت الطفره تعزز بطفرات اخرى بمرور الزمن الى ان صار لها قرون طوال تدافع بها عن نفسها، فكان لهذا النوع الحظ في التكاثر والمحافظه على نوعه الجديد من الانقراض؛ وهنالك افراد من هذا النوع فضلت ان تدافع عن نفسها عن طريق الهرب من المفترس فقادها التطور الى تكون عضلات ارجل قويه قادره على العُدو بسرعات عاليه هرباً. 
هذه ثلاثة كائنات حيه كانت قبل ملايين السنين نوعاً واحداً، اليوم لدينا ثلاث انواع جديده لا تشبه ذلك الكائن الاول الذي انحدرت منه. 
بطريقه غير مباشره يمكن ان نقول ان البيئه كانت سبب في تشكل ثلاثة انواع جديده (كل ذلك تدبير الله عز وجل) اثر الطبيعه هنا يسمى الانتخاب الطبيعي، الانتخاب الطبيعي يعني ان الطبيعة تنتخب او تختار افضل الافراد من النوع التي تحمل طفرات متماشيه مع تلك البيئه.

هذه صوره تخيليه لنتاج السيناريو الذي تخيلناه سابقاً: 



          تزعم النظريه ان جميع الكائنات الحيه التي نعرف الان اتت من افراد قليله ( ربما خليه واحده ) وتفرعت منها كائنات اخرى، تختلف الكائنات الحيه في التركيب والظروف البيئية التي مرت بها والمسارات التطوريه التي اتخذتها والضغوط الانتخابيه التي تعرضت لها.
      ما تعرضنا له في الاسطر السابقه هو مثال افتراضي لشرح فكرة التطور والانتخاب الطبيعي.

0 التعليقات:

إرسال تعليق